إلا بأصغريه
فقلت قول امرئ لبيبٍ *** ما المرء إلا بدرهميه
من لم يكن مَعْهُ درهماه *** لم تلتفت عِرسُه إليه
وكان من ذُلّهِ حقيرا *** تبول سِنَّورُه عليه
ولابن فارس التفات عجيب إلى السنور، وقد سجل في غير هذا الموضع من شعره أنه كان يصطفي لنفسه هرة تلازمه، وتنفي عنه هموم قلبه ووساوس النفس:
وقالوا كيف أنت فقلت خيرٌ *** تُقَضَّى حاجةٌ وتفوت حاجُ
إذا ازدحمت همومُ القلب قلنا *** عَسى يوماً يكون لها انفراجُ
نديمي هِرّتي وسرور قلبي *** دفاترُ لي ومعشوقي السراج([5])
وهو بصير ذو خبرة بطبائع الناس، واستئسارهم للمال، وخضوعهم له:
إذا كنت في حاجة مرسِلا *** وأنت بها كَلِفٌ مغرمُ
فأَرسِلْ حكيماً ولا توصِهِ *** وذاك الحكيم هو الدرهم([6])
ويقول:
عتبتُ عليه حين ساء صنيعه *** وآليت لا أمسيتُ طَوع يديهِ
فلما خَبَرت الناس خُبر مجرِّب *** ولم أر خيراً منه عدت إليه([7])
ويقول أيضاً:
يا ليت لي ألف دينارٍ موجَّهةً *** وأن حظيَ منها حظُّ فَلاّسِ([8])
قالوا فما لَكَ منها، قلت تخدمُني *** لها ومنَ اجلها الحمقى من الناس([9])
ويستعمل التهكم في أمور أخرى إذ يقول لمن يتكاسل في طِلابِ العلم:
إذا كان يؤذيك حر المصيف *** ويُبْس الخريف وبردُ الشتا
ويلهيك حُسنُ زمان الربيع *** فأخذك للعلم قل لي متى([10])
ولمن يقدّر لأمر الدُّنيا، ويَجْري القضاءُ بخلاف ما قدَّر:
تَلَبَّسْ لباسَ الرضا بالقضا *** وخلِّ الأمورَ لمن يَملِكُ
تقدِّرُ أنت وجارِي القضا *** ءِ مما تقدِّرُه يَضحكُ([11])
وروى له الثعالبي في خاص الخاص ص153:
اسمع مقالة ناصح *** جَمَعَ النصيحة والمقهْ
إياك واحذر أن تكو *** ن من الثقات على ثقهْ
استعمال الشعر في تقييد مسائل اللغة:
ولعلّ ابن فارس من أقدم من استعمل أسلوب الشعر في تقييد مسائل اللغة والعربية. قال ياقوت: "قرأت بخط الشيخ أبي الحسن عليّ بن عبد الرحيم السُّلَمي: وجدت بخط ابن فارس على وجه المجمل، والأبياتُ لـه. ثم قرأتها على سعد الخير الأنصاري، وأخبرني أنه سمعها من ابن شيخه أبي زكريا، عن سليمان ابن أيوب، عن ابن فارِس:
يا دارَ سُعدى بذات الضال من إضَمٍ *** سقاكِ صوبُ
مع احلى التحية ابو منار